في وداع المحامي عبد القادر حسن

جازم سيف/

الصديق والرفيق ابن عمي الفقيد، محامي البنك المركزي للإنشاء والتعمير عبد القادر حسن ناجي، من مواليد تعز، ثعبات – صبر الموادم، هو بالفعل صديق ورفيق رحلة العمر بكل ما تعنيه رحلة سفر العمر من معنى.

عشنا معًا ظروف سنوات الدراسة الأولى في مدرسة الإنقاذ الابتدائية، التي عمل فيها مدرسًا متعاقدًا بعد تخرجه من الثانوية.

ولأن ظروفه كانت صعبة قبل حصوله على شهادة المرحلة الثانوية، كان يعمل طوال الإجازة الصيفية، سواء في أعمال البناء، أو في محلات طباعة الكتب ومحلات التصوير.

ماذا كان يعمل ابن عمي عبد القادر بما يحصل عليه من عائد مالي نتاج اشتغاله المجد في تلك الأعمال؟

كان ينفق أكثر ما ينفقه، بعد تأمينه على قيمة الخبز والملابس الأنيقة، على شراء الكتب الثقافية، والروايات العالمية المشهورة منها على وجه التحديد.

حيث، ويا لجماله وقوة عشقه للقراءة، كثيرًا ما كان يردد القول الشائع: “إذا امتلكت درهمًا اشترِ بجزءٍ منه خبزًا، وفي الجزء الآخر كتابًا”.

من هنا عرفت من خلال عبد القادر حسن الأعمال والنتاجات الأدبية اليمنية: “صنعاء مدينة مفتوحة”، و”شيء اسمه الحنين”، و”يموتون غرباء”، و”عمّنا صالح العمراني”، و”الثائر الأحمر”، و”حديقة النبي”،

والأعمال والتحف الأدبية والثقافية العالمية: رواية “البؤساء”، و”ذهب مع الريح”، و”أحدب نوتردام”، و”الأم”، و”العُقب الحديدية”، وقصص تشيخوف… وجورجي زيدان، وسلامة موسى، وعبد الرحمن الكواكبي، ومحمد عمارة (“مسلمون ثوّار”).

إلى ذلك أيضًا، عرفنا الأستاذ عبد القادر على الصوت الملائكي فيروز.. كان مغرمًا بها حدّ الوله، حدّ العشق. كما كان يحكي لنا عن أهمية السينما، معرفًا إيّاها “بالمدرسة الثانية بعد التعليم”.

والسؤال: من أين جاء عبد القادر الشاب والإنسان الجديد والمختلف؟

عليّ القول بأن الفقيد القريب إلى القلب وتوأم الروح، المثقف والمحامي عبد القادر حسن، كان قد سرّني يومًا بأنه عضو في حزب الوحدة الشعبية.

والحال بأنه كانت لديه شخصية وطنية رمزية، كثيرًا ما كان يُثني عليها، ويعدّها بمثابة القدوة التي تستحق التقدير…

وبعد إعلان الوحدة اليمنية 1990، التي أتت بإطلاق وكفالة مبدأ التعددية السياسية والديمقراطية، عرفت بأن تلك الشخصية الوطنية القدوة التي أثّرت بأكبر قدر في شخصية الفقيد على هذا النحو من الجمال والألق، هو الصديق والرفيق الحميم الأستاذ النبيل عبد الجبار عبد الله سعيد.

له المحبة وجلّ الاعتزاز والتقدير…

سنقول عقب ذلك بأن عبد القادر كان خلال دراسته الجامعية موظفًا لدى البنك المركزي للإنشاء والتعمير، وبعد حصوله على شهادة الحقوق أصبح أحد محامي البنك البارزين.

وإلى جانب ذلك، كانت تستغرقه وتشغل باله هواية فن التصوير الفوتوغرافي، أفضت تلك الهواية به إلى الحصول على جائزة المركز الأول لفن التصوير التي أعلنت عنها جامعة صنعاء في منتصف الثمانينات.

أيضًا، كان شقيقي ورفيقي المحامي عبد القادر عاشقًا للبحث عن فضاء الرحلات. كانت تهامة مكان وبيئة ذلك العشق التي يذهب إليها كلما حصل على إجازة أو فرصة مناسبة، ولديه الكثير والكثير من الأعمال أو الصور الفنية الملتقطة بعدسته من وحي وفضاء معاناة سكان وأهل تهامة.

بعد حرب 1994، بدأ البنك في خوض حربه على محاميه القانوني عبد القادر حسن، فكفّ عن إعطائه مستحقات القضايا التي يدافع عنها باسمه أمام المحاكم التجارية!!

مما اضطره إلى حجز أصول ملفات القضايا التي لديه، وبعد جهد ووساطة آخرين، طُرحت حلول كان يعتقد عبد القادر بأنها تعسف وظلم جائر بحقه!!!!!

من هنا جاء انسحاب المحامي الرفيق عبد القادر عن الحياة العامة والخاصة!!!

في عملية انسحاب واغتراب كلي!!!

طوال الثلاثين سنة المنصرمة، فضل العيش والعزلة في منزله الواقع في حي الوحدة – منطقة حزيز (صنعاء)…

لم يتكلم مع أحد.. لم يسلّم على أحد!!!

في موقف احتجاجي بعيدًا عن أولاده ورفاقه ومحبيه، إلى أن توفاه الأجل بمنزله وحيدًا!!

نام يا رفيقي، لروحك الطمأنينة والسلام الأبدي،

ولنا ولأولادك الأعزاء الذين خذلناهم ولم نقف إلى جوارهم: سهيل وجمانة…

الشعور بالندم والفقد…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى